فيما انشغل العالم بأسره بتشفير لغز القرار الرّوسي المفاجئ بسحب "الجزء الأساس" من القوّات الرّوسيّة من سورية، كثُرت التّأويلات والتحليلات تارة عن خلاف سوري- روسيّ تولّد منذ الإتفاق الأميركي-الرّوسي على فرض وقف لإطلاق النّار في سورية فيّ عز الإنجازات الميدانية الكبيرة التي يُحققها الجيش السوري وحلفاؤه في كلّ الجبهات الساخنة-وهو ما رفضه الرئيس السوري- وتارة أخرى عن انزعاج ايرانيّ من "تسوية" ما حبكتها واشنطن وموسكو على حساب الرئيس الأسد،، في وقت كان لافتا ما سُرّب عن لسان دبلوماسيّ روسيّ في برلين، ادرج القرار الرّوسي في خانة "المناورة" ربطا بتطوّرات قادمة "هامّة واستثنائيّة" في سورية!
اللافت انّ القرار الرّوسي المفاجئ اُعلن بعد أيام قليلة على استهداف غارة أميركية للقياديّ الهام في تنظيم "داعش" عمر الشيشاني- وهو احد اهم المتربّعين على لائحة التصفية الرّوسية- تزامنا مع الهجوم الكلامي الشّرس للرئيس الأميركي باراك اوباما -خلال حديثه لصحيفة "ذي اتلانتيك"- باتجاه صقور السعوديّة وتركيا.. وهذا ما يُفسّر ملاقاة موسكو لواشنطن في منتصف الطريق، على وقع "تهليل" قادة الميليشيات المعارضة والدّول الرّاعية لها بهذا القرار واعتبارها انّه سيخلق واقعا ميدانيّا جديدا في سورية يُعيد بالتالي خلط الأوراق على الأرض.. وعلى ضفّة "اسرائيل" المُهلّلة بدورها للإنسحاب الرّوسي "الذي سيُتيح لها مجدّدا حرّية المناورة الجوّية في السماء السورية"- حسب تعليق صحيفة جيروزاليم بوست- فإنها اصطدمت سريعا بإعلان موسكو الإبقاء على احدث منظوماتها الصاروخية "أس 400" في سورية.. وفيما نقل الكاتب الأميركي براندن بوربفيل عن سفير دولة اقليميّة في واشنطن، اشارته الى "أمر ما" تمّ الاتفاق عليه بين دمشق وموسكو على مدى شهر كامل قبيل اعلان القرار الرّوسي حيال المرحلة الميدانية القادمة في سورية، كشف المحلّل في صحيفة " دايلي ستار" نيكولاس بلاتفورد، انه برغم الكلام عن اتفاق روسي -اميركي تُفوّض بموجبه موسكو تحرير تدمر مقابل تسلّم واشنطن دفّة معركة الرّقة، الا انه خلف الكواليس يوافق الرئيس فلاديمير بوتين على اصرار الرئيس بشّار الأسد حصر عمليّات تحرير المدينة بالجيش السوري وحلفائه، ربطا بنيّة واشنطن انشاء "حزام سنّي" يربط الرّقة بنينوى والموصل العراقيّتين.. وهذه الخطّة لن يسمح الأسد بترجمتها على الأرض مهما كلّف الأمر- وفق اشارة بلاتفورد-
وفي مقابل التشكيك بإعلان موسكو "تحقيق اهدافها في سورية"، يدلّل المشهد الميداني الجديد الذي رسمه الدخول العسكري الروسي المباشر منذ ايلول المنصرم على قواعد اشتباك جديدة فرضتها روسيا في سورية. فتحت غطاء ضرباتها الجويّة تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه من استعادة كامل ريف اللاذقية وأجزاء واسعة وهامة من ارياف حلب، ونسف القلاع المحصّنة للميليشيات المحسوبة على تركيا وتزنير الحدود معها بالنّار، كما بإفساح الطريق امام الجيش بالوصول الى مشارف الرّقة، وتشكيل طوق حول ادلب، مع التذكير باستهداف المقاتلات الرّوسية لعشرات الصهاريج المحمّلة بالنفط السوري المنهوب الى الداخل التركي.. وعليه، وربطا بتأكيد موسكو الإبقاء على انظمتها الدّفاعية في سورية مُتوّجة بنظام "أس 400" الأحدث في العالم، كما على احدث قطعها البحريّة، واعلان الكرملين انّ الجيش السوري سيحتفظ بأحدث أنظمة الدّفاع الجوّي الرّوسية، تداعى المحلّلون والخبراء العسكريون في تل ابيب، للتحذير وضرورة خفض منسوب التهليل على القرار الروسي الى حدوده الدّنيا، "فالمقاتلات التي سحبها بوتين ليست سوى جزء مما تبقى في سورية، ويستطيع اعادتها اذا اقتضت الظروف وربما بحجم اكبر -وفق تعبير المحلل العسكري في موقع ديبكا-
وفي حين، لفتت صحيفة "ايزفيستيا" الروسية، الى انّ الجيش السوري بات محصّنا بتقنيّات روسية متطورة وعتاد عسكري نوعي ستبرز مفاعيله في العمليّات العسكرية القادمة، مشيرة الى انّ غالبيّة الطائرات الحربية السورية خضعت للصّيانة اللازمة على ايدي ضبّاط اختصاصيّين روس، نقلت صحيفة " فيدوموستي" عن دبلوماسيّ روسي في برلين، ادراجه قرار القيصر ب"المناورة" وإيهام المجاميع المسلّحة انها باتت خارج الاستهداف، بينما جُهّزت عدّة وعديد عمليّات المرحلة القادمة قُبيل الاعلان عن القرار الرّوسي، وتمّت مشاركة الخطط بين كبار ضبّاط القيادة العسكرية السورية والمستشارين الرّوس على مدى اسبوع كامل، كاشفا انّ العمليّة العسكرية الأكبر لتحرير حلب قد تم تحديد موعد بدئها، "وهي ستنطلق بشكل مباغت ومفاجئ للعالم" –حسب اشارته-
وتزامنا مع تشكيك مراكز القرار الدولي بقدرة الجيش السوري على المضيّ قُدما بتسطير انجازات "هامة" على الارض من دون الحماية الجويّة الرّوسية، كان هذا الجيش يشنّ هجمات عنيفة ضدّ مقاتلي "داعش" شرق مطار دير الزّور وتمكّن من تطويق حقل "التيم"، فيما سدّد بالتزامن ضربات عنيفة ضدّ معاقل التنظيم في تدمر أفضت الى سيطرته على تلّة ال"900" الأعلى في سلسلة جبال الهايل غرب المدينة.. على وقع معلومات تضمّنتها تقاريرغربية كشفت انّ تحرير المدينة الأثريّة بات "قاب قوسين او ادنى"، مع اشارتها الى انّ مرحلة ما بعد القرار الروسي ستُؤسّس لمشهد جديد في سورية.